في الرابعِ والعشرينَ من شهر شباط، سُجلت أولُ إصابةٍ بفايروس كورونا في العراق، وكانت في مدينةِ النجفِ الأشرف. وقتها أثارت الهلعَ والفزعَ بين الناس، وبات الجميعُ منشغلا بأخبارِ هذا الفايروسِ وتداعياتِه الصحية، ولاسيما في ظلِ الإمكاناتِ الضعيفةِ في البلاد.
أخذ الوباءُ بعدَ ذلك ينتشرُ في عمومِ المحافظات، ومعه تزدادُ حالاتُ الإصاباتِ والوفيات، مما دفعَ الجهاتِ المختصةَ إلى فرضِ حظرٍ شاملٍ للتجوالِ لمنعِ تفشيه. وأُرغم بسببِ الحظر كثيرٌ من أصحابِ المصالحِ والأعمالِ الحرةِ اليوميةِ على تعليقِ أعمالِهم، الأمر الذي أثر في الواقعِ المعيشي لكثيرٍ من العوائلِ التي تعتاشُ على هذهِ الأعمال.
بدأت بوادر أزمة كبيرة في العراق تُنذرُ بواقعٍ كارثيٍ (صحيٍ ومعيشي) فأصدرَ سماحةُ المرجعِ الأعلى السيد عليّ الحسينيّ السيستانيّ (دام ظلُه) فتوى التكافلِ الاجتماعيّ، ودعا إلى مساندةِ المتضررين، لتنطلقَ في أثرِها حملةُ (تجدوه عند الله) برعايةِ مؤسسةِ العين.
استنفرت المؤسسة جهودها، وحشدت طاقاتها وإمكانياتها، فأعدت الخطط والبرامج الكفيلة في الوصول إلى الفقراء والمحتاجين، وكانت على أتم الاستعداد لتلبية الفتوى. وتمثلت استجابتها الفاعلة لها عندما أطلقت في الرابع والعشرين من شهر آذار حملة “تجدوه عند الله”، لتفادي العواقب الوخيمة التي سترهق آلاف الأسر بحثًا عن لقمة العيش.
ورغم الصعوبات والتحديات، بدأت المؤسسة عملها بوتيرة عالية من الهمة والجهود المثمرة، فكانت تجهز في اليوم الواحد بين (15,000 – 30,000) سلة إغاثة تحتوي المواد الغذائية الضرورية لإدامة الحياة، والمستلزمات الوقائية لتغيث العوائل بصورة عاجلة. وانطلقت أول عملية توزيع في بغداد، ومنها إلى بقية المحافظات في وسط البلاد وجنوبه وشماله.
صباحًا، مساءً، ليلًا… المؤسسة مستمرة بعمليات التوزيع، يساندها المتطوعون ومعتمدو سماحة المرجع الأعلى (مُدَّ ظلُّه)، بغية إيصال ما يمكن إيصاله من مساعدات إلى من أصبحوا ضحية الفقر والحرمان.
استمرت الحملة أشهر عدة، ومعها يستمر المؤمنون بالتبرع للوقوف الى جانب المتضررين؛ يرفدون المؤسسة بأنواع الخضراوات والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، فهم على دراية بأفضلية أهل الإنفاق ومنزلتهم التي أكدها القرآن الكريم “مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”.
كانت المؤسسة على معرفة عميقة بقصد المرجع الأعلى (دام ظله) من التكافل الاجتماعي، فبقيت مستمرة بإغاثتها حتى وزعت (145,751) سلة إغاثة، ووصلت بها الى أقصى مدن العراق في المناطق النائية والمعدمة.
نجاح كبير حققته الحملة، كان محط ثناء المرجعية الدينية العليا، وثقة المجتمع العراقي والجهات الحكومية. وقد تصدرت المؤسسة في إثره (740) منظمة مجتمع مدني شاركت في عمليات الإغاثة، وفق إحصائية أعدتها دائرة المنظمات غير الحكومية.
دق ناقوس الخطر بعد انتشار مخيف لفايروس كورونا في عموم المحافظات، وأصبحت آلاف الاصابات تُسجل يوميًا ومئات الوفيات كذلك، وأصبح من الواضح أن مع تفشي الفايروس بهذا الشكل المخيف بات من الضرورة الملحة مساندة الملاكات الصحية. فهم بحاجة إلى الدعم لما يواجهون من ضغوطات كبيرة، إلى جانب المرضى الذين هم بحاجة إلى رعاية أكثر لئلا يفارقوا الحياة.
وبالنظر لحجم هذه الجائحة، يتبين أن إمكانات العراق الصحية لا تتناسب وخطورتها، نظراً لتردي البنى التحتية وقلة المستشفيات ومراكز شفاء، وتدهور الوضع الصحي، واستمرار معاناة الناس. لذا، توالت المبادرات المجتمعية للمساعدة في مواجهة كورونا. ومن أهم هذه المبادرات وأبرزها ما قامت به “مؤسسة العين” التي عزمت على الدخول في معركة القضاء على الوباء إلى جانب الكوادر الصحية، امتثالا لتوصيات المرجعية العليا واستجابة لنداء الإنسانية، فهي تؤمن بأن حفظ حياة الانسان من أهم الواجبات في الاسلام، بل ويتقدم على كل واجب آخر.
على هذا الأساس، دخلت بجميع قواها وأدواتها للقيام بحملة إنسانية مجتمعية تخدم المجتمع كله، بعيداً عن أي انتماءات أو مسميات، فأطلقت في أواخر حزيران من عام 2020 حملة “ويؤثرون على أنفسهم”.
رمت الحملة إلى تقديم الدعم والمساندة للملاكات الصحية وتلبية حاجاتهم ومتطلباتهم من أجهزة ومعدات ومستلزمات طبية تمكنهم من إسعاف المصابين وإنقاذ حياتهم، وعدم تركهم بمفردهم في الخطوط الأمامية في مواجهة الفايروس مجردين من وسائل الدفاع، لاسيما بعد أن ذهب عشرات الأطباء ضحايا له.
كانت الحملة منطلقة من قوله تعالى: “وَمَن أحْياهَا فكأنّما أحْيَا النّاسَ جميعاً”، ونابعة من إحساس المؤسسة بالمسؤولية وتطويع طاقتها وأفكارها لخدمة المجتمع.
مع استمرار زيادة الإصابات، عقدت المؤسسة لقاءً مع وزارة الصحة ناقشت فيه الطرق الكفيلة بتقديم الدعم الصحي وإيصال الأجهزة المؤمنة بالحملة إلى المستشفيات بصورة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح، ولتجنب تفاقم أعداد اليتامى في البلاد، فهي كانت ترعى آنذاك (62.936) يتيماً في العراق.
تمكنت المؤسسة بحملتها من تأمين مجموعة كبيرة من الأجهزة والمستلزمات الطبية اللازمة، وزودت المستشفيات ومراكز العصل الصحفي عموم العراق بدفعات أولى منها. وقد كان للمتبرعين الدور الأبرز في تأمين هذه الأجهزة، التي كان من بينها:
وصلت الى المؤسسة في منتصف تموز شحنة مؤلفة من (12) طنًا من المعدات الطبية، مستوردة من تركيا وأستراليا.
حظيت هذه الأجهزة والمواد باهتمام كبير من وزارة الصحة، وعولت عليها كثيرًا في إحداث نقلة نوعية وتغيير ملموس في واقع المستشفيات. وكانت حاضرة خلال عملية الاستلام إلى جانب ممثلين عن دائرة المنظمات غير الحكومية ومكتب الإعلام والاتصال الحكومي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء وممثلين عن المؤسسة.
بعد أن تسلمت المؤسسة الأجهزة، قامت بتوزيعها على أكثر من (77) مستشفى في شمال العراق ووسطه وجنوبه، كل حسب حاجته. وكانت تواصل الليل بالنهار، وتسابق الزمن بغية إيصال الأجهزة المؤمنة إلى المستشفيات، حتى حققت نتائج مبهرة زادت في أثرها نسب الشفاء في البلاد، وانخفضت حالات الوفيات.
على الرغم من قتامة مشهد فايروس كورونا، إلا أنه لم يخل من صورة إيجابية، صورة العطاء والتلاحم والإيثار حين الأزمات والشدائد. وربما كان عطاء مؤسسة العين الجزء الأبرز فيها. فقد كان عطاء بدرجة عالية من الحكمة والوعي الإنساني بإشراف سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (مُد ظله)، لم يرافقه شعور بالمنة أو التعب أو التفاخر، بل كان هدفه مشاركة مجتمعية تخدم المجتمع برمّته.